languageFrançais

ليلة غيوانية على ركح الحمّامات: الحنين يغنّي والذاكرة تصدح

استقبل مهرجان الحمّامات الدّولي في دورته التاسعة والخمسين، ليلة أمس مجموعة ناس الغيوان المغربية، رموز الأغنية الملتزمة في العالم العربي والمغاربي، في سهرة امتزج فيها الحنين بالرسالة، والصوت الحرّ بوجع الذاكرة.

حنين جماعيّ

مع أولى نغمات أغنية «الله يا مولانا»، بدا الجمهور كأنه يشارك في طقس وجداني جماعي؛ الأصوات تتعالى مردّدة الكلمات قبل أن ينطلق الغيوانيون بأدائهم، لتتحول البداية إلى وعد ضمني بأنّ هذه الليلة ستكون استثنائية.

ورغم غياب الرمز عمر السيد لأسباب صحية، لم تخفت شعلة الغيوان، إذ حمل الراية رشيد باطما وحميد باطما وشيفا عبد الكريم، مستعيدين تاريخًا من الأغاني التي تجاوزت حدود المغرب لتصبح ذاكرة جمعية لشعوب المغرب و العالم على حدّ السّواء.

“أحباب” لا جمهور

رشيد باطما، الذي تحدث بعفوية، لخّص فلسفة الغيوان أمام الجمهور قائلاً: «ناس الغيوان ما عادش عندها جمهور… عندها أحباب».جملة التقطها الحاضرون بالتصفيق، في إقرار بأن الرابط مع هذه المجموعة لم يعد علاقة معجبين بفنّانين، بل علاقة وجدانية تورّث من جيل إلى آخر.

أغاني تصالح الذاكرة

تتابعت الأغاني كقصائد حيّة: «بني الإنسان» برسالتها الإنسانية العميقة تلاها نشيد الغربة «فين غادي بيا خويا»، الذي حوّل المدرجات إلى كورال جماعي. لكن اللحظة الأشد تأثيرًا جاءت مع «صينية»، الأغنية التي عزفت أنغام الألم ، فيما استعاد الجمهور أنفاس السبعينات والثمانينات مع ”مهمومة” و غيرها من الأغاني.

ولم تغب فلسطين عن الركح؛ إذ أدّت المجموعة أغنية " صبرة و شاتيلا " كصرخة في وجه الظلم:«صهيون دار ما بغات… صبرة وشاتيلا المجزرة الكبيرة… أطفال تذبحت شيوخ وعايلات… واش درنا شي ما درنا؟»فارتفعت أصوات الجمهور متماهية مع الرسالة التي حملتها الغيوان منذ تأسيسها: الدفاع عن القضايا العادلة أينما كانت.

حنين ونقد

الآراء في صفوف الجمهور تباينت بين من اعتبر أن الأمسية كانت جلسة مصالحة مع الذاكرة وتجديدًا لعهد الأغنية الملتزمة، ومن رأى أن “الغيوان لم تعد كما كانت” منذ رحيل رموزها الأوائل: بوجميع، العربي باطما، وعبد الرحمان باكو، معتبرين أن النسخة الحالية تفتقد البنادر والكلمة الثقيلة والخطابات القوية.

لكن حتى هؤلاء المتحفظين تفاعلوا مع الأغاني في إطار حنينٍ أعادهم إلى زمنٍ آخر.

رشيد باطما: “حسّيت بروحي في المغرب”

في تصريح لموزاييك ، رشيد باطما شكر إدارة مهرجان الحمّامات على دعوة المجموعة، مؤكدًا أن هذه العودة أنهت قطيعة دامت منذ 2012.وأضاف بتأثر: «انبهرنا بجمهور جميل حافظ لكل أغاني ناس الغيوان… الجمهور أصبح عائلة وأحباب بعد خمسين سنة من تأسيس المجموعة… حسّيت بإحساس غريب كأني في المغرب».

أيقونة الأغنية الملتزمة

منذ تأسيسها في الحيّ المحمدي بالدار البيضاء سنة 1970 بين أزقة “كاريان سنترال”  حملت ناس الغيوان صوت البسطاء والمهمّشين. خرج المؤسسون: بوجميع، العربي باطما، عمر السيد، عبد العزيز الطاهري ومحمود السعدي من رحم تجربة مسرحية مع الطيب الصديقي، قبل أن ينفصلوا لتأسيس هوية غيوانية خاصة.

الوثائقي الشهير «الحال» (Trances) للمخرج أحمد المعنوني (1981) وثّق أسطورة الفرقة، قبل أن يعاد ترميمه بدعم من مارتن سكورسيزي الذي وصفهم بـ«رولينغ ستونز شمال إفريقيا»، واستعمل موسيقاهم في أفلامه.

رسالة لا تموت

بعد نصف قرن، تغيّر الزمن وتغيّرت الوجوه، لكن روح الغيوان لم تخفت؛ أصوات خرجت من رحم البسطاء لتحكي وجعهم وحلمهم، وتؤكد في كل ركح تصعده أن الأغنية الملتزمة قادرة على أن تعانق الأجيال الجديدة.

ليندا بلحاج

share